٢٠١١-١١-١٠

هل أصبحت جملة "المجلس يمثّلني" مشابهة لجملة "منحبّك"؟

هل المجلس يمثلني؟ أم أصبحنا نبصم ع العمياني كما يفعل المنحبكجيّة؟

سؤالي يبدو ضحلاً أو في غير وقته؟ اذا كانت اجابتك نعم فعليك اعادة التفكير بالموضوع و لو قليلاً....


المجلس الوطني أتى بعد سلسلة من الاتصالات الماراثونية و الجهود الكبيرة التي بذلها معارضون ناشطون سوريون و جهات غير سوريّة في الداخل و الخارج بغية ايجاد قيادة سياسيّة للحراك الشعبي السوري ضد نظام البعث في دمشق. هذا و قد تشكّل المجلس بعد عدة مجالس لم تلق ترحيباً من جمهور المعارضين كمجلس اسطنبول و اجتماع قطر و "مجلس الإنقاذ الوطني" الاسلامي البحت بقيادة المحامي هيثم المالح في اسطنبول, مرة أخرى. هكذا جاء المجلس الوطني بعد اندماج عدة مجالس و هيئات استشارية أخرى في مجلس موحّد لا يغلب عليه الطابع الاسلامي البحت (مما يجعل المجلس مقبولاً أكثر بالنسبة للغرب المتخوّف و ربما لتطمين فئة الصامتين السوريين في الداخل) و طبعا كان التوافق على شخص علماني معتدل مثل الدكتور غليون خدمة لهذا التوجّه. جاء و فيه اسماء تتبع لعديد من الطوائف و الأطياف العرقية و الدينية و المذهبية و الفكرية ليكون المجلس نواة مصغّرة عن المجتمع السوري. من أبرز ما جاء في البيان التأسيسي على لسان الدكتور غليون ان المجلس "يرفض أي تدخل خارجي يمس السيادة الوطنية" و التّأكيد على أن المجلس "يدين سياسات التجييش الطائفي الذي يدفع بالبلاد نحو الحرب الأهلية والتدخل الخارجي"، التشديد على أن المجلس يسعى إلى الحفاظ على وحدة سوريا و"على مؤسسات الدولة، لا سيما مؤسسة الجيش". و جاء أيضاً على لسان الدكتور غليون أن تشكيل المجلس كان هو الأصعب أما الاعتراف به فمهمة سهلة لأن دولاً عربية و أجنبية تنتظر اطاراً موحّدا للمعارضة السورية لتدعمه و تحاوره و تعترف به ممثّلا للمعارضة.  و هذه المواقف هي التي دفعت العديد من الناشطين الذين يؤمنون بالحلول السلمية, بما فيهم أنا, أن يلتفوا و بقوة حول المجلس و يصرخوا: "المجلس يمثّلني". 

اليوم (10/11/2011) و بعد خمسة أسابيع من تأسيسه, قررت أن أنظر إلى انجازات المجلس و اخفاقاته لأعرف تماما اذا مازال المجلس "يمثلني" كمعارض كما كان قبل خمسة أسابيع أم لا..

على مستوى توحيد صفوف المعارضة , نجد أن المجلس لم يستطع, ولأسباب عديدة لا يتحمل عبئها وحده, جذب جميع المعارضين للانضمام تحت رايته. رغم أن هذا الموضوع قد يسجّله البعض على أنه فشل, أنا شخصيّا لا اعتبره مهمّا بل أعتبرأن ادراج هذا الموضوع على سلّم أولويات المجلس هو الخطأ. هذا لأنني أجد في تعدد أقطاب المعارضة إثراءً للحراك و توسيعاً لقاعدته الشعبية بين مختلف اتجاهات المعارضين الفكرية و الثقافية (و قد كنت قد تحدثت عن هذا الموضوع في مقالتي "ورقة هيكلية لاستراتيجية المعارضة السوريّة"). على أن تبقى خطوط التواصل و التشاور مفتوحة بين المجلس و بقية المجالس و الهيئات على مبدأ وحدة المصير في وجه النظام و منع حملات التخوين في الاعلام و نبذ الخلاف و ايقاف التصريحات المتضاربة و الاتفاق على القضايا الأساسيّة التي قد تشعل نار الانقسام بين أطياف الحراك. و هنا نجد الفشل الكبير متمثّلا في الاعتداء على وفد المعارضة الداخلية المتوجّه إلى القاهرة المكوّن من أعضاء "هيئة التنسيق الوطنيّة" و أعضاء "تيار بناء الدولة السورية" و أعضاء مستقلين. علّق الدكتور غليون على الحادث و اعترف أن المهاجمين هم من جمهور المجلس الوطني و ندّد و قال: "المجلس الذي لا يحترم حق الآخر في الاختلاف والحرية لا يمثلني" و تابع في التنديد بهذا الفعل "السقيم" و أعلن تضامنه مع أعضاء الهيئة الذي وصف أغلب أعضائها بـ "المناضلين التاريخيين" و تابع غليون قائلاً: " الاختلاف في الرأي والموقف السياسي أمر طبيعي وحله الوحيد هو في الحوار والنقاش والاحتكام للرأي العام، لا بالعنف ولا بالاقصاء ولا بالإساءة أو بالتخوين وتشويه صورة الآخر."  هنا أشكر د. غليون و أدعو أنصار المجلس أن يحترموا رئيسه و رأيه و يتعظوا بما قال فنحن اذ كنّا نحاول التخلّص من نظام ديكتاتوري اقصائي و قمعي فبهذه الأعمال نحن نؤسس لما هو أبغض. 

و لكن, و على الرغم من الموقف الجريء و المسؤول من قبل رئيس المجلس, تابع البعض من مؤيدي المجلس في حملات التخوين و التشهير ضد أعضاء الهيئة في الاعلام و على صفحات الفيسبوك و تويتر و في أي منبر يمكنهم الكتابة عليه او الصراخ منه. و يأتي تصريح "الناشطة" و"المعارضة" السورية مروة حسان الغميان, في اليوم التالي, معلناً أنها انسحبت من الهيئة و متّهما و بوضوح أن "هيئة التنسيق ليست إلّا أداة من صنيعة المخابرات يستخدمها للتشويش على أداء المعارضة الوطنية". مستشهدة بما حدث معها في أقبية المخابرات حين اعتقلت و أعلنت نفسها بطلة و قالت أنه طلب منها أن تنسق مع هيئة التنسيق الوطنية وهي على يقين بما لا يدع مجالاً للشك أن هيئة التنسيق الوطني "كما يسمونها" هي الوجه الآخر للمخابرات وأجهزة الأمن السورية ( عصابات الأسد ) وقد كانت قد تحفظت عن عدم قول ذلك للعلن لأنها لم أكن أرغب بإنتقاد أحد حرصاً على عدم السقوط في مستنقع التخوين إلا أن مواقف الهيئة بالأونة الأخيرة هي ما دفعها لكشف هذه الحقيقة!! 
و لعلّ أبلغ رد على كلام "المناضلة" مروة التي عاشت تجربة القهر و السجن لعدة أيام هو ثلاثة جمل قصيرة كتبها الدكتور منذر خدّام على صفحته على الفيسبوك: "ما كنت اتمنى أبدا للأخت مرى الغميان هذا السقوط.... الصحيح في حديثها انها خرجت بصفقة مع الأمن كما قالت وهذا ينبغي أخذه بالحسبان.. ..وما عدى ذلك لا قيمة له..فلو كانت هيئة التنسيق وجها للمخابرات ما كان هناك أي داع لتجنيدها....".. و هنا أوجّه سؤالي إلى كل يخوّن هيئة التنسيق أقول: أليس حريّا بضحايا حملات التخوين أن يكونوا متفهمين أكثر لبشاعة هذا المبدأ؟ و الى كل من يقول أن هيئة التنسيق الوطنية هي صنع النظام, أقول: أين كنتم عندما فنى أعضاؤها عمرهم في سجون النظام؟

لنعد إلى انجازات المجلس, على الرغم من تصريح الدكتور غليون في البيان التأسيسي, لم تعترف بالمجلس أية دولة إلى الآن على أنه ممثل للمعارضة السورية. أما تونس و ليبيا و لأسباب سياسية شخصيّة بحتة, اعترفتا بالمجلس على أنه الممثّل الوحيد للشعب السوري و سلّمته سفارتي سوريا! هل يعتبر هذا الاعتراف نجاحاً؟ للإجابة عن هذا السؤال, أسأل سؤالا آخر, هل المجلس هو السلطة الشرعية الوحيدة الممثلة للشعب السوري؟ هل هذا هو هدف المجلس الذي التففنا حوله؟ أن يمثّل الشعب كلّه ام المعارضة؟ ماذا عن أطياف الشعب السوري التي مازالت توالي النظام؟ ماذا عن الاطياف التي مازالت صامتة؟ اذا سلّمنا أن المجلس هو الممثّل الشرعي الوحيد للسوريين, فهل أصبح المجلس يمثّل الناس في مسيرات النظام؟ أنا شخصيّا لا أقبل أن يكون ممثلي السياسي يمثّل خصمي السياسي في نفس الوقت.  بعيدا عن تمثيل الشعب و عودة لتمثيل المعارضة, أقول, لو أن المجلس الوطني هو الممثّل الوحيد للمعارضة, أليس الأحرى بالجامعة عدم توجيه دعوات التحاور لأعضاء الهيئة و الأعضاء غير المنتمين للمجلس؟ أليس حريّا لأردوغان الاعتراف بمجلس نهض على أرض تركيّا؟ أم أن موقف قيادة المجلس المبهم مما يدعى "الجيش الحر" هو سبب تمنّع تركيا عن الاعتراف؟ 

ثم و بشأن طلب المجلس تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية, فقد رفض المجلس الوطني المبادرة أصلاً ذلك بعد أسابيع من النقد اللاذع الموجه ضد الجامعة العربية لعدم التدخل في الوضع السوري! و بعد رفض المجلس للمبادرة كتب الغليون رسالة لنبيل العربي يقول أنه "في ضوء عدم التزام النظام بالبنود التي وضعتها المبادرة العربية، فإن المسعى الوحيد في الوقت الحالي هو ضمان حماية المدنيين بكل الوسائل المشروعة طبقاً للقانون الدولي" على حد قوله.. طيب.. أنت, أيها المجلس, ترفض المبادرة و تريد الطرف الآخر أن يلتزم بها و تشجب الجامعة لأنها لم تتدخل و حين تتدخّل تطلب منها أن تسحب يدها من الموضوع عن طريق طرد ممثلي النظام السوري من الجامعة! ثم أن المبادرة تنص على وقف العنف, طيّب لماذا لا يتحدّث المجلس عن موقفه من عمليات كتائب "الجيش الحر" التي تجاوزت مؤخراً حد حماية المظاهرات إلى حد تنفيذ عمليات نوعية و استفزازية بحق مفارز الجيش و الأمن (باعتراف الصفحات الاعلامية لهذه الكتائب )؟ لماذا لا تطلب من "الجيش الحر" وقف مؤقت للعمليات ريثما يتبين لنا جدّية الطرف الآخر في السعي لحل؟ الجواب ببساطة أنه لا توجد سيطرة سياسيّة على مسلحي كتائب "الجيش الحر", لا من المجلس و لا من غيره و التبعية الوحيدة هي لقيادته العسكرية التي تحتضنها تركيا التي مازالت تتجنب الاعتراف بالمجلس أصلاً.. و كيف لهارب أو منشق من الجيش أن يقبل فكرة حوار السياسيين مع النظام حتى و لو على نقل السلطة؟ هدف "الجيش الحر" هو ليس الحلول "الوسطيّة" أو "السلميّة" بل استنساخا لوضع ليبيا حيث يكون هو المحرر و فوق النظام و لا أحد يطلب منه رمي السلاح واذا طلب أحدهم يكون الرد سلبا (كما يحصل اليوم في ليبيا)..

هنا أصل لنقطة أخيرة, يقول مؤيدي المجلس أن الهيئة تتجاوز مطالب الشارع و أسأل: أليس كلام الغليون عن الحفاظ على وحدة سوريا و"على مؤسسات الدولة، لا سيما مؤسسة الجيش" هو ادانة مضمنة للجيش الحر و التسلّح المنظم ضد النظام؟ أليس "رفض أي تدخل خارجي يمس السيادة الوطنية" هو رفض للحظر الجوّي؟ فإذا كنت, أخي القارئ, من مؤيدي التدخل الخارجي و انشقاق الجيش و الحرب المسلّحة على نظام البعث فيجب عليك أن تعيد النظر في ممثلك السياسي! ليس بهذه السرعة, حيث أن بعض أعضاء المجلس يسعى يوميّا لتدويل المسألة السورية نحو الحظر و يدعم ميليشيات "الجيش الحر" حتى ولو لم يكن له أي سلطة عليها. و هنا نجد انقساما واضحاً في المواقف و التصرفات لأعضاء المجلس ذاته. على الأقل يمكنني القول بثقة كاملة أن الهيئة تقف ضد التدخل الخارجي و تسلّح الثورة و لكنني لا أستطيع القول بأي ثقة أن المجلس يدعم التدخل أو يرفضه!

هل سيتوحّد المجلس على مواقف واضحة و صريحة بخصوص التسلّح العشوائي غير المنظّم و التدخل العسكري الخارجي؟ هل سيعود المجلس ليمثّل طيفاً واسعاً من المعارضة بدلا من أن يكون ممثلا لكل "الشعب السوري" و كل "المعارضة السورية"؟ هل سيرضى أتباع المجلس أن يتقبّلوا الرأي الآخر؟ أم أن جملة "المجلس يمثّلني" أصبحت مشابهة لجملة "منحبّك"؟ 

هذه الأسئلة و غيرها العديد هي برسم المجلس الوطني ليرد على المعارضين الذين هتفوا له بعنفوان يوماً و يهتفون له اليوم على مضض و لكن ليس لوقت طويل..

هناك تعليقان (٢):

  1. اتفق معك بأن المجلس الوطني لم يحقق ما يذكر من متطلبات المرحلة الراهنة, و الأكثر من ذلك, أنه حتى اللحظة غير مؤهل و غير قادر على قيادة مرحلة انتقالية منتظرة. و لكن بالوقت نفسه, جميعنا يعرف خير معرفة أن هذا المجلس أو أي جهة اعتبارية تمثل المعارضة سياسيا" تحتاج إلى وقت كي ترتب أجندتها و تتفق على أدواتها...طبعا" هذا لا يبرر ركاكة المجلس و تضارب أفكار و أيدولوجيات أعضاؤه سلبا" و ليس إيجابا"...

    ردحذف