٢٠١١-١٠-٢١

غريغوريوس الرابع..البطريرك الذي بكاه المسلمون قبل المسيحيين

منقول بتصرّف و تسييس - عن صفحة كي لاننسى كيف كانت سوريا

في العقد الأول من القرن العشرين، كان للكنيسة الأرثوذكسية في دمشق بطريرك هو غريغوريوس حداد..مشهود له بالوطنية، كتب عنه المرحوم محمد كرد علي في مذكراته ما يلي:

((عرفت صديقي البطريرك غريغوريوس حداد قبيل الحرب العالمية الأولى وبلغني عنه هذه الرواية، بسبب المجاعة التي أصابت شعوب هذه المنطقة أثناء الحرب العالمية الأولى استنهض البطريرك الهمم لمساعدة الجائعين والبائسين، وباع أملاك وأوقاف الطائفة الكثيرة في سورية ولبنان ليشتري بها طعاماً للمحتاجين.

ثم كان مرة من نافذة غرفته المطلة على ساحة البطريركية يراقب الشماس يوزع الخبز على طالبيه، فلفت نظره أن الشماس رد امرأة مسلمة، محتجاً أن القمح قد نفذ في مخازن البطريركية، نزل إليه ونادى المرأة، وقال للشماس، أعطني رغيف خبز، فلما تناوله قلَّبه بيده، وقال للشماس:


"أنا لم أرَ أنه قد كُتب على الرغيف أنه مصنوع من أجل المسيحي الأرثوذكسي، يا بني ادفع الصدقة لكل من يطلبها فالخلق كلهم عيال الله"، وناول المرأة حصتها فانصرفت شاكرة.

ويقال انه فتح أبواب البطركية للجميع أيام الحرب، واستدان أموالاً طائلة لإطعام الجائعين، ومن أخباره في هذا الشأن أنه كان له صليب ماسي أهداه إيّاه قيصر روسيا، نقولا الثاني، لما نفذت أموال البطريركية رهنه لدى صائغ يهودي دمشقي بألف ليرة عثمانية، فلاحظه أحد أغنياء المسلمين وفك رهنه وأعاده الى البطريرك، فأخذه وباعه من جديد دون أن يدري به أحد وحفظ مثيلاً له من زجاج، هذا لم يعرف به أهل الدار البطريركية الا بعد موته.

كما يُروى عن غبطته أيضاً أنه كان أول من بايع الملك فيصل عندما توِّج ملكاً على سورية، وبعد معركة ميسلون، وبينما الجيش الفرنسي يستعد لدخول دمشق، غادر الملك فيصل بالقطار الحديدي العاصمة، إلا أنه فوجئ بالبطريرك غريغوريوس قادماً وحده إلى محطة الحجاز ليودعه قائلاً "هذه اليد التي بايعتك ستبقى على العهد إلى الأبد" فما كان من الملك فيصل سوى أن قبّلها باكياً.

ولما مات عام 1928 جرى تشييع جثمانه من بيروت إلى دمشق، فاستقبلت الحكومة السورية جثمانه على الحدود بإطلاق مئة طلقة من المدفعية تحية له، فيما كانت الجماهير تصرخ: "مات أبو الفقير، بطريرك النصارى وإمام المسلمين، نزلت بالعرب الكارثة العظمى!".وأرسل الملك فيصل من بغداد إلى دمشق مئة فارس على الخيل ليشتركوا في التشييع، كما يروى أن الجثمان عندما وصل إلى ساحة الشهداء في بيروت شرع أحد التجار المسلمين يرش الملبس على الطريق أمام الجثمان قائلاً : ((إن هذا القديس قد أعالني أنا وعائلتي طيلة الحرب العالمية الأولى))

كما شارك في الجنازة عدد كبير من شيوخ المسلمين منهم مفتي البقاع، محمد أمين قزعون، الذي قال على تابوته: "لو أجاز لنا ديننا الإعتراف بنبي بعد محمد لقلت أنت هو!" وقد قيل إن المسلمين أرادوا الصلاة عليه في الجامع الأموي الكبير.

تعليق الجمرة: 
غريغوريوس الرابع لقبته جماهير السوريين بـ أبو الفقراء. فأية فروق تجدونها اليوم بين أبو الفقراء من الأمس و بين "أبو الفقراء" من اليوم؟ و هنا نقصد مباشرة الاقتصادي اللامع رامي مخلوف الذي بدأت بطانته العائلية تروّج لـ"عطاءاته" و تسميته الجديدة..
غريب يا أخوتي السّادة حين نقرأ تاريخنا السّوري كم من العظماء تجدون. كم هي القصص الرّائعة التي ستقرأون. بينما و منذ قدوم الأسد الأب للسلطة لم نعد نسمع بأي عظيم ولم نقرأ إلا عن بعض مشاهير التاريخ العربي القديم. أما عن سوريا بشكل عام و عن التاريخ العربي المعاصر, فلا تجد سوى عظيم واحد هو المفدّى و هو القائد.. هو الأسد الأب و مؤخراُ الابن. و من المفارقات أنني و لفترة متقدمة نسبيّا من عمري و رغم أني قضيت عدة سنوات في "شبيبة الثورة" كنت أعتقد أن حافظ الأسد هو من أسس البعث باعتبار أننا كنّا مغيبيين عن التاريخ الحقيقي. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق