الكاتب: الدومري السوري
عندما كنت مراهقا"، كان في حارتنا كوّى يلقبونه بالدكتور. فإذا قرع باب المنزل ليلتقط الكوي كانوا يقولون "جاء الدكتور" أو "ذهب الدكتور".
والسبب أن الرجل كان اسمه "دريد عبد الباقي شيخ الأرض". وهذا ليس إسمه الثلاثي. وعندما فتح محله الصغير لم تتسع (آرمة) المحل لكل الإسم بسبب ضيق المدخل ، فكتب على محله:
(د. عبد. شيخ الأرض).!!!
تذكرت هذه القصة عندما بدأت بكتابة هذه المقالة.
ففي وقت من الأوقات كانوا يقولون أنه يوجد في سوريا سيارات مرسيدس أكثر من ألمانيا.
أما اليوم فإننا نستطيع القول أنه يوجد في سوريا حملة شهادة دكتوراه أكثر من كل دول الإتحاد الأوروبي مجتمعة.
والدكتوراه في سوريا عدة أنواع:
"الدكتوراه الفخرية": التي يختص بها المسؤولين السوريين، وخاصة الرفاق الحزبيين، وبعض رجال الأعمال المتنفذين.
حيث تمنحهم إحدى الجامعات الأجنبية (شقفة ورقة)، مقابل خدمات إجرائية أو ماديّة.
شقفة الورقة هذه تقول أنهم أصبحوا (دكاترة) في أي فرع غير علمي.
"الدكتوراه القسرية": تصدر من الجامعات السورية، وهي دائما" في الطب، ويختص بها أبناء المسؤولين السوريين حصرا".
وتبدأ من فحص البكالوريا، حيث (بقدرة قادر) يحصلون جميعهم على مجموع يؤهلهم الدخول إلى كليات الطب، بينما هم لا يعرفون (الخمسة من الطمسه).
وتستمر (قدرة القادر) أثناء سنين الجامعة ليتخرجوا بعدها (أطباء..) معبئين ببنطلون.
ويختص غالبيتهم بالتصوير الشعاعي، حتى لا يفتضح جهلهم بأمور الطب ولأن (البابا المسؤول) يستطيع أن يشتري لهم أحدث أجهزة التصوير، ويستطيع تجهيز عيادات يعجز عنها أكبر تجار سوريا.
ومن ثم يقومون بتوظيف أطباء دراويش درسوا وتخرجوا بجدارة ليقوموا بالعمل الطبي الفعلي، بينما همّ (الأطباء المعبئين ببنطلون) ينصرفون لأعمال البيزنيس والمناقصات ونهب الأخضر واليابس.
"الدكتوراه الشرقية": صادرة عن دول الإتحاد السوفيتي سابقا"، وهي تشكل كارثة فعلية على البلد. فكثير من حملة هذه الشهادة هم من المقربين من النظام الذين تمّ إيفادهم لهذه الدول على حساب الدولة، ومن ثم عادوا للبلد ليستلموا مناصب مختلفة في الدولة.
هؤلاء (المقربين) أعطوا سمعة سيئة للشهادات الصادرة من تلك الدول، حيث يوجد أيضا" الكثير من السوريين الذين درسوا في هذه الجامعات وتخرجوا بجدارة، وعادوا ليعملوا بشرف وعن دراية، وبعكس (المدعومين) الذين كانوا ينجحون في المادة مقابل كروز دخان أو ليتر ويسكي.
" الدكتوراه الغربية": الصادرة من أوروبا وكندا وأميركا. وحملة هذه الشهادات إما آثروا العيش في الخارج فخسرناهم. وإما رجعوا للوطن ( ليلعنوا أبو الساعة ) التي رجعوا فيها، ومنهم كاتب هذه المقالة.
طبعا" هنالك أيضا" الدكتوراه التي تستطيع شرائها عبر الإنترنت ولكنها لم تنتشر في سوريا لأن الدفع لأساتذة الجامعة هنا أرخص منها.
لكنني أنصح كل مواطن بأن أبسط طريقة لتصبح (دكتور)، هي أن تطبع كروت شخصية بإسمك، وتضع حرف (د.) قبل الإسم، وبعد فترة ستلاحظ أن الجميع بدؤوا مناداتك (بالدكتور).
وإذا كنت (دبّـيك) أو (جعّـير) فقد تحظى أيضا" بوظيفة مهمة في الدولة.
أما إذا تعرضت للمساءلة بسبب هذه اللقب فقل لهم إن الـ (د.) لا تعني دكتور، وإنك مواطن مستور وغير مدعوم والـ (د.) تعني (درويش)...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق