٢٠١٢-٠٥-٢٩

منقول - ورحل حلمٌ آخر


الكاتب: كريم ليلى
انتهى العرض و أُسدلت الستارة... الآن رحل المخرج الذي لطالما برع في رسم النهايات، حتى نهايته حاكها هو بنفسه... ترك عشقه الأزلي للفن وعاد إلى حيث ينتمي ليصنع الفن الحقيقي على الأرض بين من عشقوا الحرية وأرادوها حاضراً لهم وغداً.. نادوه ما شئتم... سموه المخرج والفنان والصحفي والموسيقي والشهيد... لم أعد أكترث للأسماء والألقاب بعد اليوم ولا عادت تعنيني ولم تكن، فصديقي اليوم رحل ولن يعود... وحدها ذكراه وذكرياته هي الباقية...

أذكر ذات مرة أن اتهمته بالتهور والجنون وقت كنا عابثين في صخب الحياة الجامعية قبل أعوام طويلة طواها الزمن إلى غير رجعة.. كان وقتها الشاب صاحب الابتسامة الخجولة التي لم تعرف الملل والضحكة التي تأبى الرحيل رغم التعب.. باسل رحل ولم يزل طفلاً ودوداً نقياً كصفحة ماء المحيط في ساعة الغسق.

لم تدم فرحة من آمن بالحب وثقافة الحياة بمشهد إضراب دمشق طويلاً... أغمضت عينيه وهشمت جسده المرهق قذائف الموت، فاستحال و"أحمد الأصم" والرفاق شهداء الصورة والحقيقة. "دخيلك يا أمي سافر".. ناجته أمه بتلك النظرة المستكينة تعتصر خوفاً وألماً عما قد يطاله بعد اعتقاله أول مرة... وحدها كانت تشعر ما كان ينتظر نسمة الصيف المتمردة على كل الفصول.. وتر الغيتار المشدود بحزمٍ ورقة على خشب السنديان القرمزي.. روحٌ السنونو المهاجر التي عشقت الترحال حتى رأيناه ذات مرة جالساً على كرسيّ خشبيّ قديم، يسامر كهلاً صامتاً بين الثلوج على سفح جبل "ألاموت"، في رحلةٍ أقل ما يمكن وصفها بالمجون والجنون، ختمها حينذاك برسالة حب وسلام من زعيم التيبت لوطنه الجريح قبل عام من الآن.

في صباح كل فاجعة نسترجع وجوه من أحببناهم ورحلوا عن هذي الأرض... ننتزع القلب من بين الحنايا وندوسه مراتٍ ومرات كي ندفع عنه الكراهية التي تحاول أن تتسلل كلصٍ محترفٍ وتعجز.. في كل مرةٍ نبكي ونبكي ثم نبكي ونظنّ أنها آخر مرة، ولا تكون.. غريبةٌ هي الدموع يا صديقي كيف لا تنضب.. حتى الحزن لا يزال لليوم يبحر بنا بعيداً جداً بلا هوادة، إلى ضفاف السماء البعيدة حيث يطول المكوث تارةً، ولحدود الهذيان حيث تصعب العودة إلى الواقع تارةً أخرى.

لا أدري إن كان لديك في السماء متسعٌ من وقت وحيّزٌ من عاطفة لتسمعنا نناديك كما كنت تفعل دوماً.. فقط نريدك أن تعلم أننا حزننا لم يكن عليك بل علينا من دونك، فلا بقية من حياة نريد أن نحياها إلا مثلك، حين تظل حناجر من أحبوك تردد الهتاف الذي طالما أحببت: الله أكبر حريـــــــــــــــة.

إلى روح الشهيد باسل شحادة