٢٠١١-١٢-١٥

منقول عن موقع الحقيقة: الجولان في الذكرى الثلاثين لـ"ضمها" - لم تزل جرحاً نازفاً

جولاننا السوري
منقول بتصرّف في العنوان عن موقع الحقيقة, العنوان الأصلي: الجولان في الذكرى الثلاثين لضمه: جرحنا الوطني المفتوح وكرامتنا المطعونة باسم الله وباسم المافيا!؟

رد هنري كيسنجر في مذكراته أن مؤسس النظام السوري حافظ الأسد، وخلال المفاوضات الماراثونية لإبرام اتفاقية "فصل القوات" ربيع العام 1974، رفض رفضا قاطعا الموافقة على الاتفاقية إلا بعد أن " يحصل على متر مربع من مدينة القنيطرة يرفع فيه العلم السوري ، لإقناع السوريين بأن أكثر من ثلاثة آلاف شهيد سقطوا في الحرب لم يسقطوا سدى". ويذكر كيسنجر أن الأسد قال له ما حرفيته" أريد مترا مربعا أرفع عليه العلم ، وبغير ذلك لن تتوقف حرب الاستنزاف"!
وفي مذكراته " بين مقبرتين " ( أرشيف جبران التويني) عن السجن والطريق الذي قاده إليه ، يذكر نزار نيوف أنه حين نقل إلى الزنزانة الإنفرادية رقم 19 في الجناح الغربي من سجن فرع التحقيق العسكري (248) بتاريخ 15/1/1992 ، كان يوجد في الزنازين الإنفرادية الثلاث قبالته (16،17،18) ثلاثة معتقلين من محافظة درعا وريفها (الأرجح أنهم فلسطينيون من مخيم درعا) جرى اعتقالهم بينما كانوا يحاولون إطلاق صواريخ بدائية من غربي قرية "معربا" في القطاع الجنوبي من المنطقة المحررة في مرتفعات الجولان صوب مستعمرة "ميستير" المقابلة لها. وقد أدين هؤلاء الثلاثة لاحقا ، من قبل محكمة ميدانية ، بتهمة" تعكير صفو العلاقة مع دولة مجاورة ، والعمل على إزكاء التوتر معها"!

تشكل هاتان الشهادتان تلخيصا مكثفا لـ"القضية الوطنية" في سوريا ، أو جرح الكرامة الوطنية الذي ما انفك يتسع ويزداد عمقا ونزفا مع الزمن ، وهو اليوم بعمق 44 عاما و عرض ثلاثين، ولا يبدو أنه سيندمل في أي يوم قريب من الأيام قبل أن يطاح هذا النظام ويقام على أنقاضه نظام وطني حقيقي ينظر إلى "القضية الوطنية" بوصفها جرحا في الكبرياء الوطني .. لا بوصفها بابا للارتزاق السياسي والديبلوماسي و " الثارات الشخصية" الشبيهة بحروب شيوخ القبائل!

في مفاوضاته مع كيسنجر، بل قبل ذلك ، أي حين قرر خوض الحرب بالاشتراك مع أنور السادات، كان الجولان بالنسبة للأسد الأب "جرحا شخصيا" قبل أن يكون جرحا وطنيا. فقد سقطت الأرض تحت الاحتلال بينما كان وزيرا للدفاع. وحين قرر رفاقه محاسبته في القيادة القطرية ، نجا من الحساب بصوت واحد في القيادة هو صوت كامل حسين ، الذي سيكافأ لاحقا بأن يعتقل في سجن المزة مع رفاقه الآخرين( الأتاسي وجديد وغيرهما) لما يقارب ربع قرن!

وبعيدا عن الحرتقات والتفاهات الثأرية القبلية لقطاع واسع من المعارضة السورية ، أقلّه في شقها اليميني ـ الإسلامي الموتور والمقيت إلى حد القرف، نستطيع أن نجزم بأن الشخص الذي كان أكثر فرحا في سوريا ، يوم اندفع نمور الجيش السوري كالسيول الجارفة خلال الأيام الأربعة الأولى من حرب تشرين وهم يجتاحون تحصينات "خط آلون"بقلوب قدّت من الصوان ، إنما كان حافظ الأسد. فقد كان يرى أن " ثأره الشخصي" على وشك أن يتحقق ، وأن "عاره" على وشك أن يغسل بمياه طبريا.

لكن الرياح لم تجر كما اشتهته سفنه ، وسفننا بطبيعة الحال. ففي اليوم الخامس من الحرب ، ومع حلول يومها السادس على الأخص، كان النصر يتحول إلى شبه هزيمة ماحقة. فقد تمكن الجيش الإسرائيلي من شن هجوم معاكس استطاع من خلاله استرداد معظم ما حررناه ، بما في ذلك القنيطرة نفسها ، والاستيلاء على أراض جديدة لم تكن محتلة سابقا، واختراق الجبهة في قطاعها الشمالي في العمق ..وصولا إلى مشارف بلدة سعسع ، حيث أصبح الجزء الجنوبي من سوريا ( درعا والسويداء) معزولا عمليا عن العاصمة! وستكشف الوثائق الإسرائيلية لاحقا أن الجاسوس أشرف مروان ( صهر جمال عبد الناصر ووزير رئاسة السادات) هو السبب المباشر في هذه الهزيمة. فقد كان إبلاغه الإسرائيليين بالموعد الدقيق للحرب ، وبأن الهجوم سيكون "مزدوجا" ، من الجنوب المصري والشمال السوري، سببا في أن ركزت إسرائيل معظم قواتها الضاربة والنوعية والاحتياطية على الجبهة الشمالية ، باعتبارها أكثر خطرا، نظرا لقربها من قلب إسرائيل ( أقل من 50 كم عن الجليل المحتل، حيث يمكن يصبح الشمال الإسرائيلي كله تحت مرمى المدفعية السورية)، بينما كانت صحراء سيناء تشكل مانعا طبيعيا واسعا يفصل الجبهة المصرية عن أقرب منطقة مأهولة في إسرائيل بأكثر من مئتي كيلو متر.

لم تكن هذه الخيانة"المصرية" هي الوحيدة خلال الحرب. فرغم أن هزيمة شبه كاملة كانت لحقت بنا اعتبارا من ظهر يومها السادس، قرر حافظ الأسد ، بالتشاور مع السوفييت الذين كانوا بدأوا تعويض الجيش السوري خسائره من المدرعات وإمداده ببطاريات" كفادرات"( سام 6) المتحركة ، المضادة للطائرات، والتي تستطيع مواكبة تقدم القوات البرية وحمايتها ، شن هجوم ماحق مع بزوغ فجر 23 تشرين الأول / أكتوبر ، حين تكون الشمس في ظهر القوات السورية المهاجمة وفي وجه القوات الإسرائيلية المدافعة. وقد حشد الأسد للهجوم سبع فرق مدرعات دفعة واحدة ، أي ما يعادل قرابة 20 لواء وأكثر من ألفي دبابة. لكن موافقة السادات على وقف إطلاق النار اعتبارا من صباح اليوم المذكور ( 23 / 10) أحبطت الخطة السورية وقضت على الأمل بالتحرير في مهده. وستكشف الوثائق الإسرائيلية لاحقا أن الأميركيين أقنعوا السادات بوقف إطلاق النار فقط من أجل إتاحة المجال للإسرائيليين بالتفرغ للجبهة الشمالية ، ونقل قواتهم من الجبهة الجنوبية إليها ليكون باستطاعتهم التعامل مع الهجوم السوري الذي كان يجري التحضير له. وهناك أكثر من قرينة على أن اللواء عبد الرزاق الدردري ، رئيس شعبة العمليات خلال الحرب ، هو مصدر تسريب خبر الهجوم المعاكس! ( سيتولى ابنه عبد الله الدردري ، بعد ربع قرن، القيادة الميدانية لأكبر عملية تخريب اقتصادي في تاريخ سوريا ، مثلما تولى والده القيادة الميدانية لإحباط أكبر أمل بالتحرير منذ قيام الدولة . ومن شابه أباه .. ما ظلم!).

مع ذلك ، استمرت حرب الاستنزاف والهجمات المتبادلة ، من مواقع ثابتة، حتى 24 أيار/ مايو 1974 ، حين اقتنع كيسنجر بأن حافظ الأسد " بحاجة فعلا لمتر مربع في القنيطرة يرفع عليه العلم ، وإلا لن يوقف الحرب"! وفي 26 حزيران / يونيو رفع العلم في سماء المدينة التي يقال لها اليوم " المدينة المحررة" ، رغم أنه لا يحق لنا أن ندخل إليها سوى .. حفنة من عناصر الشرطة ، لزوم القمع ربما!

منذ ذلك الحين، وبعد " كامب ديفيد" على وجه الخصوص، أيقن حافظ الأسد أن استرداد الجولان بالحرب أصبح أمرا مستحيلا على نظام بمواصفات نظامه ، فقرر خوض "حروب البروكسي" بالوكالة ، لاسيما في لبنان! فلم يكن باستطاعته تغيير النظام ليصبح " نظام تحرير" ، لأن نظاما من هذا النوع يقتضي إنشاء " نظام عدالة"، أي القضاء على نظامه القائم عمليا ، بما هو نظام مافيا أوليغارشية تستولي ـ وهي التي لا تمثل أكثر من 3 بالمئة من "القوى العاملة" ـ على أكثر من ثلاثة أرباع الناتج الوطني الصافي!

بعد سبع سنوات على ذلك ، وفي مثل هذا اليوم من العام 1981 ، أعلنت إسرائيل " بطريقة ديمقراطية" جدا ، وعبر تصويت في الكنيست ، ضم الجولان إلى "أرض إسرائيل" . ومنذ ذلك الحين يخوض أهلنا هناك معركة سوريتهم وعروبتهم وحدهم ، دون أن نستطيع فعل أي شي لهم سوى " استيراد وتصدير" العرائس منهم وإليهم عبر "وادي الصرخات" الطافح بالدمع ، و ... التلويح لهم بأيادينا المتعبة من وراء الحدود التي باتت تفصل بين الجزئين المحتلين من الوطن: واحد تحتله مافيا دولية قادمة من وراء البحار باسم االله ، تاجر العقارات الأكبر الذي وعد شعبه المختار بأرض العسل واللبن، وآخر تحتله "مافيا وطنية مختارة" قادمة من العالم السفلي باسم " التصحيح و المقاومة والممانعة"!

وبين هذين الجزئين يزداد جرحنا الوطني اتساعا يوما إثر آخر ، وتزداد كرامتنا الوطنية ذلا ، ويزداد غرقنا في برك الدم والفساد والدموع .. حتى الاختناق!

هناك تعليقان (٢):