٢٠١١-١٠-١١

لماذا طالب ابراهيم؟؟ ... رحلة في الماتريكس البعثي

طالب ابراهيم يتحدى 
طالب ابراهيم, طبيب الأسنان, نتاج سنين من القمع الاعلامي و الثقافي البعثي في بلادي سوريا. هذه البلد الجميل التي يتمتع أبناؤها بالذكاء و المعرفة لم تستطع أن تقدم من المتحدثين إلى العالم سوى الطبيب طالب ابراهيم الذي عنده اهتمام بالسياسة ولم يدرسها. هذا الرجل الذي يتحّدث كأنه على كوكب آخر. نراه ساعة يلبس عمامة الشيخ ويفتي للعباد بقتل المتظاهرين على الهواء مباشرة و يبشّر بيوم القيامة في مشهد آخر. وتارة أخرى تجده يلبس طقماً علمانيّا الحاديّاً رثّاً و فضفاضاً و يتحدى الله الذي خلق زينب[1].. 


ألم يخطر ببالك أخي/أختي القارئ/ة أن النظام السوري أذكى من أن يُخرج أمثال طالب ابراهيم وخالد العبود إلى
شاشات الفضائيات العربية و العالمية؟ أقول لك, "نعم. ولكن".. ألم يخطر ببالكم أعزائي القرّاء المضطلعين أن سوريا بلد فيه من الكفاءات ما يكفي ليصدرها إلى بلاد الجوار و العالم حتى يخرج لنا أمثال هؤلاء؟ أقول لكم: "نعم. ولكن".. و لنعرف معنى ولكن لابد لنا من استذكار صغير في التاريخ و سأروي لكم قصة طالما أحببت أن أقصّها. ولكن و قبل أن أبدأ, اذا كنت تشكك في ذكاء النظام السوري فيجب عليك أن تراجع تاريخ حزب البعث و خصوصاً تاريخ حافظ الأسد ومن مراجع أعدائه قبل كتب ممجديه.


النظام السوري يا عزيزي يعمل كما تعمل الماتركس[2] فالمواطن السوري يولد و يشرب حليب البعث منذ الصغر. ينطق بأهدافه القومية قبل جدول الضرب, يهتف بأبدية القائد المناضل قبل أن يعرف معنى مفهوم الأبدية. كل انسان سوري يدخل المدرسة ومنذ اليوم الأول هو ابن البعث, و دينه الثاني هو البعث(ان لم يكن الأول) ورسوله بعد محمد أو يسوع هو حافظ الأسد (أحيانا قبلهما). ينشأ الطفل منذ نعومة أظفاره على حب البعث و العروبة و القائد. ولا يكلف معظم الأهالي نفسهم عناء التوعية لكي لا يخطئ الطفل ويتكلم أمام الناس مما قد يؤدي إلى "شحط" السيد الوالد إلى أحد فروع الأمن.. صدقاً, فأنا أذكر يوم كنت طفلاً صغيراً, ذهبت إلى أمي و سألتها: "ماما, كيف نهتف للسيّد الرئيس إلى الأبد؟ لقد تعلمنا في درس الديانة أن كل نفس ذائقة الموت..".. أذكر يومها الكف الذي علّم على وجهي و الجملة الشهيرة التي نقشتها في ذاكرتي إلى اليوم: "لا تحكي هيك قدام حدا, والله بيشحطوا أبوك ع السجن". منذ ذلك اليوم إلى اليوم الذي ذاقت تلك النفس ما كتب لها الخالق, كان القائد هو بمرتبة محمد (ص) و أحياناً أعلى و هذا مبرر, فقوّة و سطوة رجل المخابرات و أستاذ العسكريّة أكبر بكثير من شيخ الجامع أو أستاذ الديانة. بالإضافة لأنك, كطالب, تخسر جزء من العلامة اذا أخطأت بكلمة أثناء كتابة آية قرآنية بينما قد ترسب اذا أخطأت أثناء استشهادك بأحد أقوال القائد الخالد في امتحان مادة القومية الاشتراكية.


 قَدُمَ بشار الأسد إلى سدّة الحكم وذلك عقب المعجزة الإلهية المتمثلة بوفاة الأسد الأب رغم تخليدنا له!! ورغم وفاته و انتصار ارادة الخالق على ارادة الأسد و خروج "الملايين" في تشييع جثمانه "الطاهر" ظل الكثير يظنون أنها خطوه تكتيكية من الأسد الأب مشابهة لـ"الخطة التكتيكية" المتمثلة بـ انسحاب الجولان. فقد يكون خسر معركة ولكن الحرب مازالت في أولها, فبعد أن هتفوا له "إلى الأبد" راح بعض الغلاة يهتفون لخالق العباد: "يا الله حلّك حلّك, يقعد حافظ محلّك". هكذا انتقلت حرب الخلود من دنيانا إلى مكان آخر و الحمد لله.. 


الماتريكس البعثيّة السوريّة تغسل دماغ الصغير بحب الوطن و العروبة و تغسل دماغ الكبير بالخوف و , فاذا كنت انسانا مغالياً أحمقاً فأهلا وسهلاً بك في هرم التوظيف و شلالات المناصب و الحوافز و أنهار الفساد الاداري خذ منها ما تشاء خالداً فيها إلى يوم التقاعد. وهذا حالنا, نستغفر الله حين نذكر القائد دون لقب. ندعوا الله الرحمة و البعد عن الأمن و نستغفر ضابط الأمن حين "نزور" عنوة أحد الأفرع. و تستمر الحياة في داخل الماتريكس السورية إلى ذالك الوقت الذي يستيقظ عقل السوري فجأة و يخير صاحبه بين حبتين[3] أحدها تغرقه بغيبوبة اختياريّة يستيقظ منها ليتابع حياته في الماتريكس و الثانية تغير له حياته إلى الأبد. هي الحبّة الثانية التي تناولها كل من صَعُب عليه أن يدفن موهبة أو عقلاً خلّاقا في مدافن البعث. تناولها كل انسان صَعُبت عليه كرامته أن تذل من ضابط أمن دون أي رادع أو قانون. تناولها كل انسان أراد العيش الحر و الشريف و تساوي الفرص. هي الحبة التي أودت بمن أخذها إلى السجن أو المهجر أو مشفى الأمراض العقلية طيلة 40 عاماً. و اليوم لم يبقى انسان بموهبة أو عقل نيّر في بلدي سوريا إلا و هاجر. أما مَن بقي في البلد فينتظر فرصته للهرب أو اعتزل الناس و النظام. ولهذا يا سيدي القارئ فلن يجد النظام أي سوري ذو عقل و موهبة ليتكلم عنه سوى طبيب أسنان طليق و سليط اللسان ويشتم  دونما رادع أخلاقي و تتعدد أدواره حسب الحاجة. لأنه و صدق يا سيدي, وعلى غبائه, قطع نادر في نظام البعث الذي قتل الموهبة في العقول منذ يوم ولدت وقطع الألسنة لكي لا تطول عليه في يوم ما.


هوامش:
[1] زينب: الشهيدة زينب التي خرجت لنا حية ترزق على شاشة التلفزيون السوري تتحدى القنوات المغرضة ونافية خبر استشهادها
[2] الماتريكس: فلم أمريكي من 3 أجزاء يحكي قصة عن سيطرة الآليات على الانسان و غسل أدمغتهم و تنويمهم في حلم يحاكي الحياة
[3] حبتين: مشهد شهير من الفلم في [2]

هناك تعليق واحد: