٢٠١٢-٠٢-٠٦

ليلة ركب أوباما على حصان الاسلام "السياسي" في الربيع العربي

"لن تسمح واشنطن للربيع العربي في المنطقة أن تكون أي شيء سوى ربيع اسلامياً, حتى ولو لم يكن في الأصل كذلك!" 

من المفيد القيام باستحضار سريع للواقع من التاريخ القريب (المعاصر) لصراعات الغرب, و أمريكا خصوصاً, في الشرق الأوسط ابتداءا من الحروب المباشرة في أفغانستان و العراق. مروراً بالحروب الغير مباشرة (تحت غطاء السريّة أو بالوكالة) كما في باكستان ولبنان واليمن والصومال و فلسطين المحتلّة. وصولاً إلى الحرب الباردة الأعنف في الخليج العربي (الفارسي) مع ايران و حلفائها في العراق ولبنان.


دول كأمريكا, والغرب بشكل عام, تواجه مشكلة كبيرة متمثلة بالاسلام الراديكالي الجهادي الذي استطاع, و للمرّة الأولى في تاريخه المعاصر, أن يقطع البحار والمحيطات ويضرب في عمق عواصم الحضارة الغربية في عمليات ارهابية منها ما تم تنفيذه ومنها من لم يتم تنفيذه. وعموما فلائحة العمليات الارهابية ذات الطابع الاسلامي تطول ومنذ 1983 وحتى اليوم.

في النظر لأسباب هذا العنف الاسلامي المسلح, نجد أن سياسات الغرب تجاه شعوب منطقتنا عموما و الاسلامية خصوصا هي السبب الأساسي. بعد سبتمبر 2001 كان على واشنطن خيارين, إما أن ترضخ لإرادة الارهاب المسلّح أو أن تبدأ بالمواجهة المباشرة مع القاعدة ومن يستضيفها متمثلا بطالبان وكل من يدعم أي عمل أو يتبني خطاب مناوئ لواشنطن (العراق, ليبيا, سوريا, ايران, اليمن, لبنان). فكانت تلك بداية العقاب الأمريكي الذي سيبدأ بأفغانستان (التي بدت كالنزهة إلى حد ما) وثم إلى العراق الذي سقط في أقل من 3 أشهر, و في 2005 أعلن الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي عن رعبه من العقاب الأمريكي حيث أوقف مساعيه النووية وفكك جيشه. الأردن, المعروف بقوّة استخباراته على المستوى الاقليمي, جنّد كل امكانياته لدعم أمريكا في حربها, السعودية قدمت دعما لا محدود لبوش الابن. علي عبدالله صالح غطّى على العمليات العسكرية الأمريكية ضمن أراضيه ونسبها لنفسه. باكستان فتحت أجواءها لطيران الحلفاء لقصف القرى الباكستانية. و العديد من الأمثلة المشابهة التي تبناها ملوك الشرق وديكتاتورييها الخائفين من الغضب الأمريكي.

لم تدم النزهة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط طويلا فسرعان ما تحولت النزهة إلى كارثة على أمريكا وحلفائها, فالحملة لم تحقق أهدافها بل وعلى العكس فقد اكتشف الأمريكان أن الارهاب لا يدعمه ديكتاتور أو تنظيم مناوئ للغرب ولا يستطيع القضاء عليه ملك أو ديكتاتور موالي للغرب. بل يدعمه أيدلوجيا جهادية متجددة لن تقف بموت قائد أو عناصر تنظيم بل سيتجدد طالما ظل يقمع ويجابه بالقوّة. والمشكلة الأكبر أن الغرب بدا وكأنه يقود حملة صليبية جديدة ضد الاسلام وليس حرباً ضد الارهاب مما دفع المسلمين في الغرب للتعصّب وأحيانا التطرف. فوجدت أمريكا نفسها تصنع الارهاب على أرضها بعد أن سافرت آلاف الأميال لتقضي عليه!

لا بد لنا من التنويه إلى أن الدور الذي لعبته أنظمة ايران و سوريا قد ساهم في اضعاف الحملة الأمريكية على الشرق الأوسط. ليس حبّا بالاسلام الراديكالي ذو الفكر الوهابي والسلفي الجهادي (الذي لا تدعمه ايران الشيعيّة ولا تدعمه دمشق "العلمانية" العروبيّة -ومؤخراً-الصوفيّة) بل خوفاً من تداعيات نجاح المشروع الأمريكي في العراق وأفغانستان لأن سوريا كانت التالية على القائمة بعد العراق و النظام السوري هو الحليف الوحيد لايران في المنطقة واليد الطولى التي تصنع شبه "توازن" اقليمي يردع أمريكا واسرائيل عن تقويض مشاريع ايران في المنطقة. ذلك من خلال دعم منظمات اسلامية كحزب الله وحماس, غض البصر عن حدود سوريا وايران مع العراق و دعم لا محدود لقوى معينة في المشهد العراقي.

بعد رحيل بوش المتهوّر وقدوم أوباما الديبلوماسي, عقد الأخير على نفسه زمام المبادرة ليقود المصالحة مع الاسلام. فكانت أول الزيارات التي قام بها هي إلى مصر حيث خطب برسالة طويلة إلى مسلمي العالم مُصالِحا و متحبباً. فكانت تلك بداية المصالحة الأمريكية مع الاسلام في الغرب أكثر منه الاسلام في الشرق.. لا أستطيع هنا سوى أن أتذكّر الدكتاتور حافظ الأسد الذي قاد حربا شعواء ضد الاسلام السياسي و الارهاب الاسلامي التكفيري المتمثلين بحركة الإخوان المسلمين و الطليعة المقاتلة. وبعد أن ارتكب مجزرة حماة, قرر مصالحة الاسلام. حيث بنى من المساجد في سوريا ما لم تره دولة الأمويين ولا العباسيين ولا الأندلس. افتتح مدارس لتحفيظ القرآن و سمح لمنظمات اسلامية كالقبيسيات بالعمل بحريّة مطلقة. في حين كانت المؤلفات والكتب العلمانية تمنع من النشر بناءاً على طلب "العلّامة" البوطي وخوفا على زعله!!
بالعودة للمصالحة الأمريكية مع الاسلام, فهذه المصالحة لم تدم طويلاً (إن وجدت أصلا) مع الشرق. ولم تكن المصالحة الأمريكية, في تلك المرحلة, مع الاسلام السياسي وذلك ايمانا من أمريكا بأن ممالك وديكتاتوريات الشرق الأوسط الموالية لها مازالت قويّة. كان لابد من البحث عن حلول بديلة أو موازية للعمل العسكري الأمني الأمريكي ضد الاسلام الراديكالي. فالعنف الأمريكي في منطقة ما في العالم ضد الاسلام ولّد المزيد من الراديكاليين في ذلك البلد ودفع المسلمين المعتدلين في بلدان أخرى للتطرّف وبأقل الأحوال فقد دفع المسلمين العلمانيين إلى معاداة العلمانية و التوجّه نحو الاسلام السياسي.

في الوقت الذي كان الغرب يبحث البدائل, كان النظام الايراني قد أحكم سيطرته على العراق وكان النظام السوري قد خرج من عزلته الدولية بعد سنوات من الضغوط عقب مقتل الحريري. وتمتع النظام السوري بعلاقات ممتازة مع حليفين قويين لأمريكا بالمنطقة العربية هما قطر (البلد الغني بالغاز ومالك أقوى قناة عربية مؤثرة بالرأي العام العربي والاسلامي, مستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية بالمنطقة) وتركيا (البلد الاسلامي-العلماني الذي يحكمه الاسلاميون السنّة المعتدلون الموالون لأمريكا, ذو الجيش القوي و عضو حلف الناتو. تركيا التي, وبسرعة كبيرة, أصبح لها تأثير قوي على الرأي العام الاسلامي والعربي بحكم مواقفها الأخيرة -ولو كانت مصطنعة- من اسرائيل و بحكم الخلفية الأيدلوجية لحزب العدالة و التنمية). ولا يخف على أحد أن الرسالة التي طالما بعثها النظام السوري عبر أصدقائه في قطر وتركيا إلى الأمريكيين هي أن التحالف "الاستراتيجي" مع ايران وأن الدعم المباشر لحزب الله وحماس هي أمور يمكن التفاوض عليها والمساعدة فيها وخصوصا الملف النووي الايراني. وأنه يمكن لسوريا لعب دور ايجابي لتذليل مشاكل الأمريكيين في العراق والعالم العربي والاسلامي عبر خبرة النظام السوري الطويلة في مواجهة الاخوان المسلمين. وفعلا كان الرد بالايجاب عبر اعادة ايفاد سفير جديد لواشنطن في سوريا عام 2010 بعد 5 سنوات دون سفير. 

الثورات العربية:
بدأت الثورات العربية من تونس إلى مصر والبحرين واليمن و إلى ليبيا ثم سوريا. هذه الثورات التي جاءت طلبا لاصلاحات معيشية وسياسية ضد حكم الديكتاتوريات الظالمة والملوك الكرتونيين. هذه الثورات التي غاب عنها بل ونأى عن نفسه الدخول فيها الاسلام السياسي في بداياتها. وقف الغرب عامة و الأمريكيون خاصة متعجبين من شعوب استيقظت بعد أن ظنوها في سبات عميق وحياة مدجّنة من قِبل ديكتاتورياتها. وكان السؤال المهم الذي يدور في عقل صانع القرار الأمريكي, ما مصلحتنا في دعم هذه الثورات؟ أليست هذه الديكتاتوريات الموالية (مصر, يمن, تونس, ليبيا) أو "المهادنة" (سوريا) أفضل من حكم ديمقراطي لشعوب ملّت التبعية الأمريكية بمقدار مللها من أنظمتها؟

قد تكون الاجابة مبهمة حاليّا ولكننا اليوم نرى على الأرض المعطيات التالية: ظهر الاسلام السياسي والحركات الاسلامية على ساحة الثورات العربية. انبرت دولتي قطر وتركيا دفاعا عن الثورات العربية واعطاها سمة اسلامية ولو بطريقة غير مباشرة مدعومة اعلاميّا من الجزيرة القطرية التي نصّبت الشيخ القرضاوي عرّابا للثورات العربية وخاصة في مصر وليبيا, و نصبت, بالتعاون مع المملكة السعودية, العرعور قائدا لثورة سوريا! رسائل حب, شكر وتطمين متبادلة (مباشرة وغير مباشرة) بين قيادات اسلامية في الدول الثائرة وبين أمريكا (عبر السعودية أو قطر).  ظهر دعم غير محدود ومصالحة غربيّة مع الثوار الاسلاميين سواء في انتخابات تونس ومصر أو حرب ليبيا (يحضرني أنباء عن فتح تحقيق بريطاني أمريكي في خلفيات احتجاز سابق لقائد العمليات العسكرية الحالي في ليبيا, الاسلامي عبد الحكيم بلحاج). وفي مثال آخر, أرى أن المجلس العسكري المصري (الذي صُنع في مكاتب السي أي أيه) قد جنّد قواعد الأخوان للدفاع عن منشأت الدولة في وجه ثوّار التحرير في انقلاب مباشر على شرعية ميدان التحرير والثورة بعد أن ربح أغلب مقاعد البرلمان! 

يقول لي بعض الاسلاميين الثوريين, الغرب و العرب لا يدعمون الاسلاميين بل هم يدعمون إرادة الشعوب وثوراتها ولكن هذه الثورات هي ثورات اسلامية فلذلك بدا أن الدعم للاسلاميين. و أنا أقول: لا يوجد ثورة واحدة بدأها الإسلاميون في الربيع العربي. المسلمون كمواطنيين في الثورات هم عنصر هام فيها ولكن ليس الاسلاميين أو الاسلام السياسي. و الدعم الغير محدود الذي يتلقاه الاسلاميون من الغرب عبر قطر وتركيا و السعودية أصبح واضح المعالم و الأهداف (التي أتركها للقارئ بأن يستنبطها).

وسأختم بخبر ورد في "نيويورك تايمز" بتاريخ 29/01/2012: ذكرت صحيفة نيويورك تايمز اليوم الاحد ان مفاوضين يمثلون حركة طالبان بدأوا في قطر مع مسؤولين اميركيين محادثات اولية ترمي الى ارساء الثقة لانهاء الحرب في افغانستان.

هناك تعليق واحد: