٢٠١١-٠٥-٣٠

العبور -2-

وهكذا مرت الأيام واعتقد أسد الزمان أنه نجح في القضاء على حركة العبور، حتى جاء يوم العيد الوطني للحافة حيث اجتمع الجميع ليلا عند الجسر لإحياء المناسبة. فجأة وإذ بهم يشعرون بحركة على الجسر، تلك الحركة سببت بلبلة كبيرة، ترى من هناك؟ هل هم المخلوقات التي قامت بقتل العديد من الأبرياء وقد جاءت لقتل آخرين؟ انتشر الرعب والذعر بين صفوف الجموع، ولكن سرعان ما زال ذلك الرعب واستبدل بذهول عند رؤية أصدقائهم الذين تمكنوا من العبور وهم عائدون.  وعند وصولهم التف حولهم الجميع ليسألوهم بفضول كبير عن أحوال الحافة من الجهة الأخرى من الجسر، وعما رأوه وفيما إذا كان عبور الجسر المهترئ يستحق كل هذه التضحيات، إلا أن العابرين اكتفوا بالقول بأن على من يود أن يعرف الحقيقة أن يكتشف بنفسه. 
وبفعل الفضول اتفق الجميع على يوم جديد للعبور، ينتقلون فيه إلى الطرف الآخر ليشاهدوا الأحوال هناك. لكن وكعادة المخلوقات المخبرة فقد قامت بنقل الخبر إلى أسد الزمان الذي جن جنونه عند سماعه لهذا النبأ الشيطاني. فأمر دونما استشارة أحد أن يقوم مؤيدوه باعتقال وقتل كل من تسول له نفسه التفكير بالاقتراب من الجسر، فكان له ما أمر. إلا أن السحر انقلب على الساحر، إذ إن ممارسات أسد الزمان وأعوانه زادت من درجة الفضول عند الناس الذي رافقه شعور كبير بالغضب من تلك الممارسات. وكل ما اقترب موعد العبور زاد عنف المؤيدين بينما زاد اصرار الناس حتى جاء ذلك اليوم. 
منذ الصباح الباكر اتجهت كل المخلوقات المؤيدة والمعارضة إلى الجسر حيث حدثت صدامات عنيفة  أدت إلى مقتل الكثيرين، لكن ذلك لم يثنهم من العبور على دفعات رغم وقوع بعضهم من الجسر ومصرع آخرين على يد المؤيدين، وهكذا حتى تمكن الجميع من العبور تاركين خلفهم أسد الزمان ومناصريه في حيرة من أمرهم. وتابعوا طريقهم على الجسر بحذر حتى وصلوا الحافة الأخرى وتجمعوا هناك وفي عيونهم الحيرة والاستغراب. لا يوجد شيء، إنها حافة بكر خالية. هذا كان أول ما قالوه. إلا أن أوائل العابرين قطعوا الدهشة بقولهم: إنها الحرية، وعلينا أن نصنع منها كل شيئ. فهنا لا يوجد أسد الزمان ليقتلنا ويسجننا ويسرق أحلامنا، هنا نستطيع أن نصنع من هذه الحافة كل ما نريد ولكن علينا أن نعمل من أجل ذلك. صرخ الجميع تعيش الحرية يسقط أسد الزمان.
أما أسد الزمان فقد بقي منسيا على الحافة الأخرى خاصة أن أغلب مؤيديه قد تركوه وعبروا الجسر بعد أن فقدوا الأمل بعودة الآخرين وأدركوا أن الحافة الأخرى هي المكان الأفضل. وقد قيل فيما بعد أنه حاول عبور الجسر إلا أن الجسر قد انهار نتيجة عوامل الزمن ليأخذه إلى حيث ينتمي كل ظالم إلى مزبلة التاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق