كبداية، لابد أن نستشهد بالجملة الشهيرة-المكروهة: سورية ليست بمصر..
فعلاً بينما إستطاع اليسار المصري أن يكون له دور فاعل في المساهمه بحركة التحرر المصري من حكم مبارك، لا يزال
اليسار السوري يعاني من مشكلة "تضخم الأنا" التي يرفض الإعتراف بوجودها أساساً
و بينما عملت فئة شابة سورية مثيرة للإعجاب على تنظيم حراك شعبي غير مسبوق
لا يزال اليسار السوري جالساً في مقهى الروضة في دمشق، يدخن سيجارته المنحنية من وضع الباكيت في الجيبة الخلفية، و يطالع الجرائد اللبنانية بحثاً عن مقال لكاتب معين يتفق الأصدقاء على مصداقيته، إذ أن البقية هم إما عملاء أو برجوازيين أو رجعيين، أو - و العياذ بالله - اسلاميين
و لايزال ذلك المثقف العظيم يصرح "من ورا منافسه" أن الثورة التي تبدأ في الجامع هي ثورة رجعية، و يستشد إذا إضطر بالمثقف و اليساري الأول ادونيس إذا كان و لا بد
و لا يزال أخونا بالله يرفض الجلوس على نفس الطاولة مع فلان و علتان من زملاء قهوة الروضة لأنهم "ليسوا مثقفين كفاية" أو محسوبين على ثقافة البلد التي تخرجوا منها
فالفرنكفوني لا يحب خريجي إنجلترا، و خريجو إنجلترا لا يعترفون بتعليم أي بلد أخر في العالم، و خريجو روسيا مستحاثات فكرية ولا يواكبون العصر و النظريات الثقافيه الحديثة.. أما زملاء أميركا فهم ليسو مثقفين أصلاً
و بينما يبحث الأخ عن أسباب وجودية أخرى تبرر الشرخ الميتافيزيقي بين الثورة الشعبية و فكر النضال
و بينما يتذكر ما حفظه مسبقاً عن أهمية وجوده بين صفوف المفكرين المحركين و ليس المتظاهرين
و بينما يرفض الجلوس مع صديقه لصياغة موقف مشترك يرسم الطريق للحرية، تلك الحرية التي طالما ما تغنى بها بقصائده التي كتبها خلسة بعد منتصف الليل أمام منفضة سجائر مليئة بأعقاب لا يزال عليها أثر النبيذ الذي كان يحتسيه معها
و بينما يصارع البارانويا التي تشكلت عنده من أي شخص أخر، أثر ثلاثون عاماً من الهروب من أجهزة المخابرات
صعد أهل بانياس و درعا و اللاذقية و حماه على سطوح منازلهم يكبرون لإله طالما نفى صاحبنا علاقته به
و مشي الشباب في الشارع يهتفون لله و سورية و الحريه، و تركوه هو و صور لنين و بيريه جيفارا يفكرون في يوتوبيا اليسار الجديد التي يؤمن بها الجميع لكن لا يريد أحد العمل للوصول لها
و قادت الثورات شيوخ و رجال دين و معتدلون، و بقي اليسار في قهوة الروضة يقرأ جريدته على لابتوب أميركي، باستخدام طريق متصفح مواقع إنجليزي
و خسر اليسار معركة إثبات الذات من قبل أن يخوضها
و أدرك ذلك المثقف كم كان جباناً.. و كم عمل جاهداً على تبرير جبنه بجدليات فارغة
و أثبت الشعب أنه فوق فكر سياسي مستورد أو فلسفة كونية خارجية
و على قولة زياد رحباني في مسرحية نزل السرور: "أنا معي ربور من الحكيــــم بيقول لا يعمل ثورة ... شو بدك ضر حالي يعني؟ كيف هالشغلة ؟"
فلتحيا الثورة السورية. و لتخلد الدماء التي سالت على الطريق إلى الحرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق